وصلت مع رفقتي إلى المدينة المنورة يوم الحادي عشر من شعبان الموافق 22 شباط 2024.
في اليوم التالي انطلقت بعد صلاة الفجر لزيارة هذا المنتزه الجميل وفي الطريق تابعت اشراق الشمس ثم مررنا على نفس شجرة السمر التي توقفت عندها في الزيارة السابقة لاسجل طائر القليعي او الابلق اسود الذيل، هذه المرة لم اقف ولكني توقفت عند بدايات المنتزه لاسجل بعض المناطر الطبيعية الجميلة وكذلك لالتقاط صور لنبات ارضي اوراقه حمراء اللون يرتقع عن الارض بحوالي 30 سم. وقد عرفت لاحقا انه نبات الحميض. وصلت إلى نفس المكان الذي كنت فيه أخر زيارة منذ عامين. لم ارد ان اذهب إلى مكان أخر أو إلى الجهة المقابلة التي فيها بعض المراجيح واكشاك الشاي والطعام.
لم أضيع الوقت فاتجهت مباشرة إلى سفوح الجبال الشاهقة حيث ترتفع أشجار السمر والسيال التي يصل بعضها إلى عشر أمتار. ومباشرة لمحت حركات متوترة بين الاغصان احدهما كان نقشارة الشفشاف وقد ظننت أن الثانية أيضا مثلها ولكن اتضح بعد فحص الصور في الحاسوب أنها انثى دخلة منتيري التي لم اميزها ذلك الوقت. وسرعان ما ظهر ذكر الحميراء السوداء بعيدا ولكن لونه الاسود وارتعاش ذيله لا يدع مجال للشك. ( الصورة السابقة)
قررت أن أجلس على احد الصخور في ظل الجبل عل الحميراء السوداء تقترب، وما أن استقريت حتى سمعت صوتا بدا مألوفا ولكني لم أميزه حتى رأيت حركة في احد الشجيرات قريبا مني ومن حركة الذيل الرقاص عرفت انه ذكر دخلة منتيري ومن اللون الودري في الصدر عرفت أنه ذكر في ثاني أو ثالث موسم هجرة.
اختفت الحميراء فقررت أن اتحرك للبحث عنها وقادني البحث إلى جلمود صخر عظيم يقبع على سفح احد الجبال فوقه طيرالقليعي وعلى أحد الاشجار المجاورة ظهر الدخل ابيض الحلق الصغير وان كنت غير متأكدة من كون الشفشافات مهاجرة أم مشتية فقد رصدتها في زيارتي قبل سنتين في شهر ديسمبر وهو ليس شهر هجرة. ولكن ابيض الحلق الصغير من المحتمل جدا أن يكون من اوائل الطيور الواصلة في الهجرة فهذا موعده .
لم يبد على هذه الدخلة الانزعاج من اقترابي للمكان فقد كانت تحط ارضا ثم تعود للاغصان. قررت ان ادخل لأرى ما وارء الجلمود وقد كانت الحميراء اولا على احد الصخور ثم طارت إلى غصن احد الاشجار خلف الجلمود. وكان تصويرها تحديا لم انجح فيه. وسرعان ما عوضتني سمنة زرقاء عن خيبتي وحطت امامي وبقيت لفترة كافية لاحصل على صور طيبة.
لم تعد الحميراء إلى المنطقة لذلك قررت التحرك وبينما كنت أمشي في الممر الضيق بجانب الجلمود خطر لي ان اصعد عليه لارى المنطقة بينه وبين سفح الجبل من أعلى وبالفعل كان المنظر جميلا جدا واعطاني فرصة لرؤية الجبل بشكل افضل، جاءت السمنة مرة أخرى وظلت قابعة امامي ليس قريبا ولكن لشكل كاف لاخذ لقطات فيديو كافية ثم حط طير صغير على أحد الصخور العالية إلى الجهة اليمنى وقد ظننت أن الصور لن تكون جيدة بسبب بعد المسافة فأخذت لقطة فيديو مكنتني أن اعرف انها كانت ذكر الدرسة المخططة وهي من الطيور الجميلة جدا التي تنتشر أيضا في البراري حول جدة.
عرفت ان جلوسي سيكون مثمرا فاتخذت لنفسي مكانا في مواجهة الجبل وفي ذات الوقت يشرف على منطقة السفح. وشيئا فشىء بدأت تصلني اصوات الطيور التي من اجملها واكثرها اثارة للشجن الزرزور الاسود ثم صوت تمير وادي النيل الذي اعطاني شعورا بألفة حديقة منزلي في ثم سمعت أصوات النعار العربي وقد رأيت مجموعة منهم تطير بين الصخور العالية على الجبل أمامي، وقد سمعت صوت ظننت انه للتمير العربي اللامع وان كنت غير جازمةـ ولكن أصوات النغري والوروار العربي الاخضر لا مجال للشك فيها.
وحين حانت مني التفاته لليسار فاجأني عودة زوج القليعي واقترابهم من مكاني بدون أي خوف وهم يجمعون الديدان في مناقيرهم ثم يغيبوا ليعودوا لجمع المزيد.
وأخيرا عادت الحميراء إلى الصخور في الطرف الايسر من مكان جلوسي لم تكن قريبة ولكن المسافة كافية لأخذ صور ولقطات فيديو.
كان وقت مغادرتي قد اقترب فقررت التحرك وهنا برزت مشكلة النزول من منحدر الجلمود، خاصة مع بعض المشاكل التي اعاني منها في ركبتي، وهنا اعترف أني كنت متهورة بصعودي وان مجيئي لمكان كهذا بدون رفيقة كان أمرا غير صحيح، ففي مثل هذه الاماكن الرفقة ضرورية جدا.
المهم وجدت منطقة بدت أقل انحدارا وقبل أن أنزل قررت القاء النظرة الأخيرة فاتجهت للحافة وهنا فاحائني ظهور واحد من القليعي تماما عند قدمي ثم طار بتوتر إلى غصن مقابل مكان وقوفي وهو ينظر لعيني مباشرة، وسافرغ أن شاء الله التدوينة القادمة لهذا الحدث.
في طريق عودتي للسيارة شاهدت الدخل ابيض الحلق الصغير يبحث عن غذاءه على الارض وعدد من طيور النغري ثم صدح صوت جميل من احد الاشجار وبعد طارت عدد من طيور البلصوص (الثرثارة العربيه) لتستقر على شجرة قريبة ولكنها للاسف كانت خلف الشمس ومن الناحية الاخرى كانت تجلس عائلة من زوار المنتزه فلم يكن من اللائق أن اقترب.
كانت عائلة البلنصي من خمسة افراد احدهم يافع يطلب الطعام باصرار. وقد اسعدني رؤية هذه الطيور المميزة جدا.
ومع خروجي رأيت عدد من باصات نقل الزوار وهي تأتي لتقف حاملة عديد من الزوار من أهل اندونيسيا الحبيبة وهم يلتقطون الصور التذكارية في مكان طبيعته تختلف جذريا عما يعرفوا في بلادهم البركانية الخصبة وما فيها من غابات مطرية شديدة الخضرة. وقد بدا لي انهم سعداء جدا بما يروه من جمال لم يألفوه. وقد سرني ان تقوم شركات السياحة بالترويج لهذا المنتزه الجميل .
وفي صبيحة اليوم التالي كان هدفي هو وادي العقيق الذي كان اقرب من وادي البيضاء وفيه تجمعات مياه مايجعل الاحتمالات للطيور اكثر ولكني وفي اخر لحظة قررت الذهاب للبيضاء مرة أخرى. فما زلت احلم باقتراب اكثر من الحميراء السوداء وظل ما ظننته صوت التمير العربي بلاحقني كما انني لم ار يومها الابلق ابيض التاج (ام غنيمان). وقد حدث ان كانت اول طير رايته على جانب الطريق شامخا على احد الصخور بحلته السوداء والبيضاء الانيقة ولو كنت مع سائقي الخاص لطلبت منه التوقف والعودة القهقرى لالتقاط الصور فقد كان الكادر مذهلا، ولكني خجلت ان افعل ذلك مع سائق سيارة الاجرة.
وحين وصلت كان الابلق اول الطيور في استقبالي حين طار امامي وكان منظر بديعا جدا ثم حط على احد اللوحات اقتربت اكثر لصور اوضح ولكنه طار بعيدا جدا في الجانب الاخر من الوادي.
لم اره بعد ذلك ولكن اللقاء الخاطف كان كافيا. قررت ان استغل وجود الظلال لاخذ بعض الصور للازهار البرية الجميلة المنتشرة وكنت قد احضرت عدسة ما كرو لهذا الغرض، وبعد ان ارتفعت الشمس بشكل يسمح بتصوير الطيور انتجهت لسفح الجبل وهناك وعلى شجر قريبة كانت الحميراء السوداء ولكنها كالعادة تختفي كلما اقتربت منها. ثم اتت اصوات تميرات وادي النيل تبغي ازهار نبات متسلق ملتف على أشجار السمر، هذه الازهار لم تكن موجودة قبلها بيوم ولكنها اليوم ظاهرة ومنتشرة على عديد من الاشجار. لم اتمكن من التقاط صورة للتميرات عليها ولكن كان هناك ذكر بالغ بكامل حلته الملونه الجميلة وذيله الطويل، وأخر لم ينمو ذيله بعد وكان هناك انثى أو اكثر وكذلك عدد من نقشارات الشفشاف والدخل ابيض الحلق الصغير والكبير وكذلك أصوات دخلة منتيري.
استمريت في طريقي نحو السفح حتى وصلت إلى منطقة كثيفة الاشجار التي لم اتعرف على كثير منها والحقيقة ان معرفتي في هذا المجال ضعيفة جدا، ومرة أخرى كانت المنطقة مليئة باصوات عديد من الطيور مثل الزرزور الاسود الذي طار امامي ثم عديد من الخطافات واليمام المطوق واليمام الضاحك واليمام طويل الذيل والوروار العربي الذي حط زوج منه بالقرب. ثم اصوات النعار العربي ودخلة منيتري وعديد من طيور النغري و ابو الفصاد وكانت اصوات تغريد القليعي تنساب عذبه من الاغصان العالية التي تقف عليها. ثم لمحت حركة بين اغصان ملتفة لشجرة كثيفة الاغصان. وقد عرفت حين رأيته عبر العدسة الزوم انه الدخل العربي بسبب التباين الواضح للونين الابيض والاسود وحركة الذيل. لم اتمكن سوى من اخذ لقطة فيديو وقد بقيت انتظر ان يظهرا على اطراف اغصان الشجرة لكنهما ظلا يتحركان داخلها. قررت الاقتراب وهما ايضا قررا الاختفاء وليتني لم اطمع.
وقد كانت عصافير الدوري ممتعة جدا ذلك الوقت ما بين زقزقات ورقصات ومطاردات جميلة لا يمل المرء منها رغم شيوعها. وكذلك مجموعات طيور النغري ، ومع اقتراب وقت المغادرة ظهر ذكر دخلة منتيري ثم استطعت ان اسجل لقطة قريبة نوعا ما للحميراء السوداء رغم تباين الاضاءة في مكانه.
تركت المكان مع دعوات حارة بأن اعود اليه عاجلا ان شاء الله. وان يحفظ المكان وان يصبح وجهة عالمية للسياحة البيئية.
في التدوينات اللاحقة ان شاء مزيد من صور المنتزه والزهور الربيعية التي وثقتها بعد ان استطيع الحصول على بعض من المعلومات عنها.