الصردان

ومفردها صرد (بضم الصاد) وهي فصلية من الطيور تتبع طائفة الجواثم، ورغم حجمها الصغير القريب من حجم النغري إلا أن شكل مناقيرها الغليظه المعقوفة يدل بوضوح على أنها طبيعتها الشرسه التي تجعلها جوارح الطيور المغردة فهي تقتات على الحشرات والمفصليات والسحالي والقوارض الصغيرة، وكذلك كثيرا ما تهاجم صغار الطيور خاصة الدخلات والتميرات وفي بعض الاحيان حين يبلغ بها الجوع مداه تهاجم غيرها من نفس طيور الصرد.
يصلنا في جده خمس أنواع من طيور الصرد، وهي من أوائل الطيور التي تظهر في موسم الهجرة الخريفية. وفيها غالبا ما يختلف الطير اليافع بشكل جلي عن البالغ. ويستمر وصولها حتى نهاية شهر نوفمبر. والبعض منها يأتي بزيارة ليوم واحد وبعضها قد يطول بقاءه لثلاث أو أربعة أسابيع.
وصول الصرد إلى الحديقة يجعل الطيور الصغيرة تتوتر وتختبيء أو يكون على حذر شديد حين تظهر، مما يجعل الصرد يلجأ لحيلة بارعة ليخرجها حيث يعمل على تقليد زقزقتها. ولكن كثيرا ما تتصدى طيور النغر لها وتعمل على طردها من الحديقة أو على الأقل لا تتركها تهاجم طيور الحديقة الصغيرة.
ظهور طيور الصرد في الهجرة الربيعية أقل وضوحا وهي غالبا ما تبكر أيضا في منتصف شهر فبراير وأوائل شهر مارس. ولكن ليس من المألوف رؤيه المتأخرين منها في نهاية شهر أبريل أو شهر مايو.


الصرد الرماني
أو أبو جميل كما يسميه أهل الشام أو الصرد أحمر الظهر red backed shrike كما يطلق عليه بالتسمية الانجليزية، تنوع الأسماء راجع لأنه من الطيور سهلة الرصد وشديدة الشيوع. وهو طائر صغير الحجم أكبر قليلا من الدوري جرىء نوعا ما وليس خجولا على الإطلاق، وهو أكثر طيور الصرد التي أتيح لي مراقبتها فهو يقضى فترات طويلة نوعا ما، ففي خريف عام 2007 قضى أحدها أسبوعان في حديقتي متنقلا بين أعلى المرجوحة والسعفات المتدلية لشجر الموز خاصة في فترة العصر من شهر سبتمبر أيلول، مطلقا نداءت عذبة خافتة يحاكي بها تغريد الطيور الأخرى الموجودة، مع طريقته المعروفة في تحريك ذيله صعودا وهبوطا. تختلف الأنثى عن الذكر في أن العصابة حول عينيها ذات لون أفتح قليلا والسواد فيها متقطع حتى تبدو العصابة كأنها مكونة من بقع منقطة ورأسها بني وليس رمادي كما في الذكر ولكن ظهرها مثله تماما بني محمر. كما يختلف الطير اليافع بشكل كلي حيث يظهر بلون بني موشى وكأنه نمر صغير. وهذه هي الأفراد الغالبة التي تأتي في موسم الهجرة الخريفية.
وجود أبو جميل في الحديقة يجعل جميع الطيور الأخرى تتوتر والكثير منها يختبىء، فحين ألاحظ هدوءا غير عادي في الحديقة وأفتقد الدوري أعرف أن أحد هؤلاء السفاحين موجود بها، وغالبا ما يصدق ظني حين أرى التوتر الواضح على زوجي النغري، الذي لايختبىء بل يظل يقظا مراقبا لها وربما يعمد إلى مضايقتها باطلاق أصوات تحذير معينه بنبرة عالية ولمدة طويلة، وكثيرا ما يحبط محاولتها الانقضاض على صغار العصافير التي يبدو أنها تمل من الاختباء فتتخلى عن حذرها وتأتي لتقف على مجثم مكشوف يجعلها فريسه سهله.وغالبا ما يكون النغري بالمرصاد في محاولته المستميته لجعل الصرد يرحل عن حديقته.
ولكن الجراءة طبع معروف في طيور الصرد بصفة عامة فهي لا ترحل ببساطة ولكن ربما تعمد إلى الاختباء في الأشجار، فهذه طيور تأتي من أماكن بعيدة ونزولها للراحة أمر حتمي، والبحث عن الغذاء أمر ضروري لها لاستكمال الرحلة الطويلة، لذلك تحتمل بصبر مضايقات النغري، وتكرر محاولات الصيد حتى تنجح. عموما بقاءها في الحديقة يعتمد على مدى توفر الغذاء الذي تجده.
 ومن غرائب طباعها التي تدل على ذكاءها المفرط أنها حين تدرك اختفاء الطيور، تعمد إلى إصدار ندءات تحاكي بها بعض ندءات الطيور خاصة طيور الدخل التي تشاركها مواطن تفريخها الشمالية، وذلك حتى تجعل طيور الدخل تظن أن مثيلا لها قد جاء إلى المنطقة فتخرج لتبحث عنه وبذلك تصبح فريسة مكشوفة.
وقد يبدو غريبا وأمر لايصدق للكثيرين ولكن هذه الطيور تقتات أيضا على الفئران وكثيرا ما تشاهد وهي قابضة على فأر بحجم يماثلها حجما، ثم تقوم بتعليقه على غصن جاف حتي يتصفى دمه، وهذا ما تفعله أيضا في فرائسها من الزواحف أو العصافير الصغيرة الأخرى. فرغم جمال وأناقة هذه الطيور وصغر حجمها إلا أنها في حقيقة الأمر طيور جارحة، لذلك هي (وغيرها من طيور الصرد) من الطيور التي نهي سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عن صيدها وأكلها.

الذكر البالغ للصرد الرماني منه تظهر التسمية، أحمر الظهر

انثى الصرد الرماني

صرد رماني يافع من الصعب تحدبد ما إذا كان ذكرا ام انثى


الحمامي العربي
أو الصرد الرمادي الكبير Great Gray Shrike، بدا لي أن حين آتى هذا الطائر إلى حديقتنا أنه جاء ليرتاح من رحلة طويلة فقد ظل نهارا كاملا يقف أعلى غصن أحد الأشجار البرية. وهو طائر يغلب عليه اللون الرمادي، حجمه أكبر من الدوري بمرة ونصف وله قناع أسود حول عينه ومنقار قوي رغم أنه ليس كبيرا.
أهم ما تلاحظه فيه جراءته فهو يقف معتدا بنفسه يرمقك بنظراته المتعالية دون أن يبدي ذلك الخوف الحذر الذي يميز سلوك الطيور عندما تكون على مقربة من الإنسان. وقد يسمح لك أن تقترب بما يكفي أن تلتقط صورة واضحة بعدسة ليست بعيدة المدى كثيرا.
وجوده هكذا على المجثم هو لاتخاذ الوضع المناسب لينقض على فريسته المفضلة من القوارض أو الطيور الأصغر منه حجما ، فهذا الطائر ذو المظهر الأنيق في حقيقته سفاح شرس أو بالأحرى سفاح ذو أوتاد فهو يقبض على الفريسة ثم يعلقها على أحد الأغصان الجافة حتى يتصفى دمها ثم يلتهمها. صحيح أن الغربان تهاجم القوارض والفئران ولكنها مقرفة ومزعجة بعكس هذا السفاح الأرستقراطي.
للحمامي العربي عدة سلالات المهاجر منها يكثر مشاهدته في شهر فبراير، وهناك سلالة ليست مهاجرة ولكنها من الطيور المفرخة في الجزيرة العربية لذلك رؤيته ليست حكرا على مواسم الهجرة كما في أنواع الصرد الأخرى التي ذكرناها، ولكنه طائر ذو طبيعة جوالة فهو أن لم يكن مفرخا في منطقتك فإنه سيبقى لفترة قصيرة ثم يغادر.

الحمامي العربي - الصرد الرمادي الكبير


الحمامي الحساوي
أو الصرد الرمادي الصغير Lesser Gray Shrike، يشبه كثيرا الصرد الرمادي الكبير ولكن عصابته السوداء تبدو أعرض من ناحية مقدمة الوجه كما يظهر له لون وردي خفيف في منطقة الصدر والبطن، وهو أصغر حجما.
الحمامي الحساوي مهاجر عابر كثيرا ما يبكر في الوصول في فترة هجرة الخريف، إذا ليس من غير المألوف أن تراه منذ منتصف شهر أغسطس. وهو يفضل أن يتخذ مجثما عاليا يراقب منه بشكل جيد المنطقة التي يحط بها. وربما قرر أن يبقى لفترة من الزمن قد تمتد من أسبوع إلى ثلاث.
طائر جرىء جدا، تُظهر نظراته الثاقبه بوضوح الطبيعة الشرسة لطيور الصرد، وقد حدث مرة أن حط أحدها لدي في الحديقة وكان قبله صرد النهس، ولكن هذا لم يردعه بل أنه ظل يهاجم النهس من فترة لأخرى طوال الصباح وما أن جاء العصر حتى اشتبك الإثنان في معركة مرعبة ولكنها لم تكن دامية بحمد الله فقد قرر الحمامي الانسحاب والبحث عن مكان خاص به.


ورغم أن مهاجمة طيور الصرد لغيرها من الطيور الصغيرة لافتراسها وكذلك افتراسها للجرذان التي ربما تفوقها حجما أمران معروفان في طبيعة هذه الطيور المغردة الجارحة إلا انها كانت المرة الأولى التي أشاهد أحدها يهاجم صردا آخرا، يبدو أن الجوع كان قد بلغ به أشد مبلغ.

الحمامي الحساوي - الصرد الرمادي الصغير
لاحظ الفرق في القناع حول العينين بينه وبين الحمامي العربي إلى جانب أن هذا الاخير أكبر حجما


النهس
الذي يسمى أيضا الصُرد أحمر الذيل Isabelline Shrike. من أول نظرة لهذا الطائر ستكون متأكدا أنه من طيور الصرد وذلك لوضوح العصابة السوداء المشابهة لقناع اللصوص حول عينيه والتي يمكن أن تظهر بلون بني للإناث أو الطيور اليافعة. حجمه مقارب لحجم الصرد أبو جميل إلا أن اللبس بينهما غير وارد إذ أن لجسد طائرنا هذا لون باهت عموما مقابل اللون الأحمر النحاسي لذيله الذي يتذبذب صعودا وهبوطا كلما غير مكانه من غصن لآخر. وهو طائر صموت هادىء الطباع قليل التنقلات مما يسهل رصده لفترات طويلة، ولكنه سيفاجئك حين يسرع بالانقضاض حين يرى أحد فرائسه.
ومرة أخرى فإن هناك سلالتين مهاجرتين تمران على جدة تم فصلهما مؤخرا إلى صنفين مختلفين، الصرد التركستاني Turkestan Shrike وهو الذي له رأس أحمر كلون الذيل وصرد الديوران  Daurian Shrike الذي له رأس رمادي.
وهو مثل باقي الصردان مهاجر عابر يمكن رويته في موسم الهجرة الخريفية خاصة في نهاية شهر سبتمبر. وكثيرا ما يبقى أفراد منها لقضاء شهري ديسمبر ويناير، ثم تعود لتظهر في موسم الهجرة الربيعية من منتصف شهر مارس ويتأخر بعضها حتى مايو.

السلاله Daurian من الصرد احمر الذيل ، النهس