كان يوم الاربعاء 7 سبتمبر أول يوم أراه وقد كان هذا تفسيرا لمصدر النداءات الغريبة التي كنت اسمعها في اليومين السابقين. حط أولا على شجرة الفتنه في الجهة الظليلة من الحديقة ورغم انه كان أمامي الأ اته لم يكن في مرمى العدسة بسبب وجود بعض النباتات الحاجية. وكعادته ظل على مجثمه المطل على منطقة العشب لبرهة ثم صار ينقض على ما يراه من حشرات أرضية والحمد لله انه غير مجثمه إلى مكان مكن من التقاط بعض الصور ثم قرر أن برتفع إلى الحبل الذي نعلق عليه احد صواني اطعام الطيور، وكان هذا أفضل إذ كان هذا المكان تصل إليه أشعة الشمس بشكل خفيف يسمح بصور أفضل.
انتهت جلسة التصويربومها إذ كان من الواحب أن اذهب لعملي. وظل السؤال هل سأجده في اليوم التالي، كما هو الحال غالبا فيما مضى، حيث كانت تأتي هذه الصردان وتبقى لفترات تصل إلى اسبوعين أو ثلاث. ولكنها في السنين الاخيرة صارت تأتي متوترة خائفة اما تغادر مباشرة بعد يوم أو أوثلاث على أكثر تقدير أو ان بقت تظل مختبئة وتتعمد الاختفاء ما ان تحس ان بقاءي في الحديقة سيطول.
وقد عزيت هذا التغير في السلوك إلى سببين احدهما وجود النغاري التي غالبا ما تطارد طيور الصرد بجميع انواعها هذا السلوك أكثر وضوحا في هجرة الربيع بسبب موسم التفريخ لها ولباقي العصافير فقد لاحظت السلوك التضامني التي تظهره طيور النغري فترة التزاوج مع العصافير الاصغر منها الذي يجعلها تتصرف كحارس للحديقة ضد الطيور المفترسة. صحيح أن في فترة هجرة الخريف لا تعشش النغاري ولا باقي الطيور ولكن يظل هذا السلوك المعادي.
والسبب الثاني انتشار القنص في العشر السنين الاخيرة وعادة استقبال الطيور المهاجرة بالرصاص بدون تفرقة بين ما يصاد ولا يصاد ما يؤكل ولا يؤكل وبدون اعتبار لما ورد نهي صريح عن صيده مثل طيور الصرد. والرصاص أهون من الشباك ووحشية طريقة و الموت فيها. فلا عجب أن تأتينا الطيور فزعة خائفة وهي لاتفهم لماذا نستقبلها بعد رحلتها الطويلة المرهقة التي سخرها الله لتقوم بها إلى بلادنا لتؤدي خدمات بيئة جليلة منها مكافحة نوعية للحشرات والفقاريات الضارة بشكل لا يخفى على أي مراقب لما تفعله الطيور حين تصل، فقط لو امتثلنا لأمر الله الذي ورد في كتابه العزيز:
أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات - سورة الملك
أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍۢ فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ - سورة النحل
و قوله تعالى
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ - سورة آل عمران
ظل أبو جميل بعدها وقد بدا انه عقد صداقات مع النغاري والحباكات والدوري وكذلك مع الذبابي الذي تزامنت زيارته معه . وكانت مواقعه المفضلة هي فوق الحبل وعلى انارة الحديقة الأرضية وعلى أجمة الجهنمية. وقد لفت وجوده نظر السائق والشاب الذي يأتي لرعاية الحديقة..
وفي أخر يوم رأيته قدم لي استعراض لمهارته في صيد الحشرات حين بقى أرضا لدقيقة أو يزيد يعالج شيئأ ما في الارض المعشبة ثم طار إلى مجثم متوسط الارتفاع وهو يحمل غنيمته الشهية وهي حشرة أم اربعة وأربعين.
.سفرا سعيدا يا أبو جميل وإلى لقاء قريب.
ليتنا نحسن استقبالك انت وغيرك من ضيوف بلادنا ونؤدي حق الشكر لله الذي ارسلكم لنا رحمة غفلنا عنها بالبحث عن الشحم في طيات اجسادكم المغدورة.