تابعنا في الشهر الفضيل ما أحدثت لقطة الامام والقطة التي صعدت على كتفه ومسحت وجهها بوجهه، وكيف تلقى الناس عبر العالم هذه اللقطة الانسانية المعبرة جدا عن حقيقة دور الانسان في هذا الكوكب كما يجب أن يكون وهذا ما توصل إليه كثير من الناس في عصرنا هذا الذي يزعم الكثير انه يمثل قمة ما توصل إليه بني أدم من رقي وحضارة، وهو ما يعرفه الراسخون في فهم دين الاسلام وتعاليمه وما ذكره كثير من علماء الدين في تعليقهم على الفيديو.
وهنا أود أن أسجل بضع خواطر. من باب ما يعرف في علم النفس بالاسقاط، الذي يعني أن الانسان حين يشاهد مقطعا أو فيلما أو يقرأ خبرا أو رواية فمن المتوقع أن يقوم باسقاط الحدث وابطاله على نفسه بمعنى انه يعيش دور البطل.
الاول أن الكثير قد التفت إلى الثبات الانفعالي للامام حين قفزت القطة عليه وهذا كان أول ما فكرت فيه بعجب شديد فرغم اني محبة للقطط وأكاد امتلك قطة صديقة في كل مكان من الاماكن التي اتردد عليها في نشاطي اليومي، إلا اني لا اعتقد سأكون مثله إن حدث لي موقف كهذا، ربما لأني لم أكن يوما أصل إلى مرتبة الخشوع التي كان عليها هذا الامام الجليل.
وقد ذكرني هذا الموقف بأمر مشابه كان بفعله جوجو قط امي رحمها الله، الذي كان كثيرا ما يصعد على كتفها ويتمسح بغطاء رأسها من الخلف في ود وهيام معبرا عن امتنانه لصداقتها مع العلم ان أمي لم تكن تقوم بنفسها باطعامه ففي سنينها الاخيرة كانت تعتمد على المعاونات.
الامر الثاني: الكثير لم يلتفت أو لم يتحدث على الثبات الانفعالي أو بالأصح خشوع المصليين خلف الإمام بل اني أزعم أن كثيرا منهم ربما لم يهتم بالامر أو لم يره اصلا إذ تملكهم الخشوع الواجب لصحة الصلاة والذي للاسف لم نعد نستشعره إلا نادرا والذي يساعد في تحقيقه اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في ضبط النظر على موقع السجود.
وهنا مرة أخرى تذكرت ما حدث في مصلى النساء في أحد صلوات التراويح قبل عدة سنوات. حين دخلت هريرتين وأمهم مكان الصلاة فهاجت مجموعة من النساء وتركن الصلاة بعد أحد التسليمات وانقلب المكان راسا على عقب، تارة توبيخ للقيّمة على المسجد على انشغالها بالصلاة ما سمح بدخول هذه "الوحوش الثلاث"، وتارة أخرى ملاسنات عقيمة مع نساء أخريات اعترضن على رد الفعل المبالغ، فالأم وصغيريها لم يكونوا مصدر أذى أو ازعاج بل الحقيقة ان ما صدر من المعترضات من جلبة وقول زور على السيدة التي ترعى المسجد وابنتها وعلى النساء الأخريات كان هو التصرف المنكر.
وهنا أجد نفسي اتساءل أين الخشوع؟ أين وصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعدم طرد البساس من مسجده صلى الله عليه وسلم ولا من أفنية الدور وقوله : أنهم من الطوافين عليكم والطوافات. وأخيرا أين العقل والحكمة في التعامل مع موقف لم يكن يحتاج انتفاخ الاوداج والتنمر على سيدة فاضلة تخدمنا بحب وصدق وتتمنى لحظات هدوء تكسب فيها ركعتين في هذه الليالي المباركة .
الامر الثالث: تحدثنا كثيرا عن كيف أثر هذا المقطع في غير المسلمين وكان حريا بنا ان نتحدث عما يجب أن يكون تأثير هذا الفيديو على سلوكنا كمسلمين نحو ما حولنا من كائنات وصفها الله تعالى في كتابه العزيز بأنها "أمم أمثالكم".
على سبيل المثال: كثير من المدن والبلديات فيها دائرة مخصصة لتسميم قطط وكلاب الشوارع على أساس انهم "آفات" ! والمصيبة أن جزء كبير من الناس يسخر من تلك القلة التي تنكر هذا الفعل وتتهمهم بالتشبه بالغرب في محبة الحيوان، مع اضافة التهمة المعلبة إياها انهم يفضلون الحيوان على الانسان، مع حشد آخر للمشاعر من أن المسلمين يقتلون في كل مكان وهؤلاء يتباكون على قط وكلب.
وماذا عن التنكيل بالثعالب الجائعة التي فقدت فرائسها الطبيعية بسبب الصيد الجائر فقامت بمهاجمة المزارع، هذا عدا عن التسلية بالقنص وجعل مواسم الهجرة مهرجانات مذابح للطيور سواء بالخنق بالشباك أو بنسفها بالاسلحة الرشاشة، مع تذكرنا لموقف وسائل الاعلام المخزِ في الترويج لهذه الافعال ونسبتها إلى تراث الاجداد.
وأخيرا ما يفعل في تربية الصقور ومزايين الابل ومسالخ الحيوانات (وما موسم الحج عنا ببعيد) ومعامل الأبحاث والاستعراضات الخاصة بالدلافين وغيرها من الحيوانات المدربه في تجاهل تام لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم اتخاذ ذوات الأرواح غرضا.
والمصيبة الكبرى في تجاهل الجرائم المروعة التي تتسبب بها تجارة طيور الاقفاص التي ربما كنا آخر أمم الارض في الاصرار على اقتناء طير محبوس.
الاحسان لكل شركاء الكوكب قيمة اسلامية كبيرة تشمل كل ما حولنا من طير وحيوان وبحار وأشجار وجبال وتضاريس.
والانسان حسب الفهم الاسلامي خليفة الله في الارض مستخلف على كل ما فيها، وجوده لا يعني منافستها أو التذاكي عليها
ولنذكر حديث أنس أبن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن الأرض لتجىء يوم القيامة بكل عمل عمل على ظهرها.