ابدأ بتوضيح أني لست متخصصة في علم الاحياء، ولكني اعمل
في كلية علوم في مجال التدريس والبحث العلمي منذ 32 عاما وذلك أولا في كلية
التربية للبنات ثم في جامعة الملك عبد العزيز. ومن هنا استطيع ان اوضح ما هو المنهج
العلمي أي كيف يقوم احدهم ببحث علمي. فقد اتفق الناس منذ قديم الزمان على ضرورة
حصول أي باحث علمي على اجازة علمية سواء كان هذا في مجال العلوم الفيزيائية او
الطبية او الانسانية او الاقتصادية وغيرها من فنون المعرفة البشرية. ومنذ أكثر من
الف عام توصلت البشرية إلى ضرورة أن تكون الاجازة العلمية عملا مؤسسيا، أي ضرورة
الانتماء إلى مؤسسة علمية للحصول على ما يؤهلك للعمل البحثي.
فلا بحث بدون مشرف خاصة في المراحل الاولى في الاجازت
العملية التي قد تمتد لعشر سنين ونيف. ودور المشرف هنا صياغة برتوكول للعمل ، أي خطة
واضحة في اهدافها وتسلسل الخطوات فيها. وهنا يجب عرض هذا البروتوكول للاجازة
المؤسسية ثم يكون الباحث تحت توجيه المشرف بشكل كلي، ثم يعطي المشرف الضوء الاحضر
للباحث لانهاء العمل وتقديمه مرة أخرى للاجازة الشكلية والادراية ثم يسلم للجنة
تحكيم عملية على أن يكون المحكمين من خارج فريق العمل وربما خارج المؤسسة نفسها. المشرف
هنا هو باحث أكثر خبرة حاصل على اجازات عديدة بكل تسلل الخطوات المذكورة.
هذا التسلل مطلوب لأي بحث سواء في مرحلة البكالوريوس أو
الماجستير أو الدكتوراه. أما بعد الدكتوراه فالتحكيم والاجازة يصبحان مهمان بشكل
أكبر وقد يكون أصعب كثيرا وربما سافرت الأوراق العلمية شرقا وغربا لأشهر وسنين قبل
أن يجد من يقبلها ويجيزها للنشر.
وهنا أوكد أن أي بحث علمي في أي مرحلة يجب أن يحتوي على
خطوة مهمة جدا جدا وذلك قبل وضع البرتوكول وهي خطوة الدراسات المرجعية أي الاطلاع
على ما تمت دراسته في هذا المجال من قبل الباحثين السابقين، فلا جدوى من دراسة
حالات سبق دراستها والنشر فيها باستفاضة.
هذا عن المنهج العلمي، وهنا نسأل هل تصوير الاعشاش يصنف
على انه عمل عملي مما يخدم البحث؟ والسؤال طبعا لا إن كان هناك من سبق وقام بهذا
العمل فالكثير من الطيور تمت دراستها بشكل مستفيض ونشرت الابحاث والمناهج العملية
التي استخدمت لهذه الدراسات. وبالمقابل هناك الكثير من الطيور خاصة في الجزيرة العربية والكثير من الدول العربية
لاتزال الدراسات عليها شحيحة ان لم تكن غير موجودة، ما يجعل القيام بتوثيق عملية
التفريخ ومراحلها مطلبا مهما للعديد من المهتمين.
هنا أوجه سؤال
لمن يقوموا بالتصوير بدافع التوثيق، هل تتبع في طريقتك المنهج العملي السابق، وهنا
أول سؤال هل الطير الذي توثقه لم يسبق دراسة تفريخه مطلقا، هنا تأتي أهمية
الدراسات المرجعية وهذه ليست معرفة متوفرة في الانستاجرام والتويتر أو حتى جوجل. فللعلم
والابحاث العملية منصات خاصة للنشر يعرفها الباحثون الحاصلين على اجازات علمية.
والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أو التنكر لها هو أن
الكثير من الباحثين المختصين في علم الطيور يعتمدون بشكل ما على هواة رصد الطيور
للحصول على معلومات مهمة عن أماكن التفريخ الجديدة والسلوكيات غير المتوقعة للطيور
سواء في خطوط الهجرة او توسيع النطاق الجغرافي لمناطق التي تشتو فيها أو تفرخ بها.
لذلك المعلومات التي يقدمها هواة الرصد لها أهمية كبيرة جعلت العلماء والباحثين
يفردوا منصات مخصصة في وسائل التواصل الاجتماعي لتسجيلات الرصد مثل ebird و birdguides و غيرها.
طيب ماذا يفعل هاوي الرصد ان عثر على عش أو بدا له من احد
انواع الطيور ما يدل على حدوث تفريخ. هنا يبرز أهمية الانتماء لمؤسسة علمية سواء
بشكل رسمي أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل جروبات تطبيق الواتس اب المختصة
والتي تضم عددا من المهتمين الاكثر خبرة وربما بعض اعضاء هيئة التدريس والباحثين
الجامعيين. إذ يبرز هنا دور التوجيه والمعلومة هل هو طير شائع ومعروف بتفريخه في
المنطقة أم ان التسجيل يستحق الاهتمام والمتابعة.
فعلى سبيل المثال من المعروف أن طير الشولة السوداء قد
وسعت نطاقها في السنين 15 الاخير إلى معظم مناطق المملكة والعديد من دول الخليج.
واذا شوهد وهو يغرد بشكل متواصل لايام فهذا دليل بديهي على حدوث التفريخ لاداعي حقا
لمطاردته ولتحديد مكان العش (التي ربما لايبرع كثيرا في اخفاءه كغيره من الطيور).
فقد تم توثيق عملية التفريخ سابقا. اتركه ولاتزعج الزوجان علهم يشعروا بالامان ويعاودوا
التفريخ في مواسم تالية.
هناك طرق أخرى لاثبات التفريخ مثل مراقبة الزوجان حين
يذهبوا لجمع الطعام فحين ترى احدهم جاثما وفي منقاره عديد من الديدان والحشرات هذا
دليل ظرفي مهم يدعم حدوث التفريخ ومقبول لكثير من الهيئات العلمية. وهذا قطعا أفضل
من أن تثقب الاغصان الجافة التي يخبئي الطير خلفها عشه لتطل عليه بعدستك المصونه
وتنبطح ارضا لتلتقط صورا متتالية بصوت غالق الكاميرات الاحترافية الكفيلة بازعاج
الاموات في قبورهم.
وهل من المروءة أن تستغل لحظات ضعف الطيور التي تضع
اعشاشها على الارض سواء في الاجمات الصحراوية او على الشواطىء، فهذه الطيور لاخيار
لها سوى أن تضع البيض في هذه الاماكن فهي مسيرة بفطرة الله، ولكنك انت ياحامل
الكاميرا الاحترافية مخير في أن تتركها وحالها لتقوم بدورها في حفظ النوع أو ان
تقبع أمامها بالساعات يوما بعد يوم. لاعبرة للبس التخفي أو أن تقول ان وجودك لا
يزعجها فلو كان الامر كذلك لما اخترعت الكاميرات الفخية ولا المناظير الاحادية
المقربة spotting scopes.
وحتى الكاميرات الفخية فإنها رغم مناسبتها لمتابعة الطيور
عن بعد إلا ان هذا لايعني انها ليست مزعجة للطير فالفوكس الاوتو يعتمد على الاشعة تحت
الحمراء وهي بالتأكيد ذات تأثير على الطيور الليلية مثل البوم والسبد أو غيرها
فكلنا نذكر كيف تعامل الصرد الرمادي العربي مع احد الكاميرات الفخية التي وضعها
الاستاذ أحمد العمري، فالطيور تختار بعناية فائقة ما تضعه في عشها ووجود جسم غريب
يصدر أشعة ما سيكون أمر مزعج بصورة ما. ولكن هذا حل أفضل كثيرا من ملازمة العش
لساعات طوال.
و للحديث بقية.