السبت، 22 سبتمبر 2018

المروءة خلق يكاد أن ينتهي. من خواطر 12 سبتمبر 2018

نزلت للحديقة من قبل الساعة السابعة صباحا لوضع الطعام المعتاد للطيور، فلمحت دخلة صغيرة جرئية نوعا ما تحاول أن تشرب وهي معلقة رأسا على عقب من نقاط الماء العالقة على اوراق الاشجار بعد السقاية الصباحية المعتادة. فعزمت أن أبقى علّي أظفر بصورة جيدة لها وعلها تكون رصدا جديدا.
اتخذت موقعي تحت أجمه كثيفة من الجهنمية مقابل أحد أحواض الماء وبالقرب من حوضين آخرين في انتظار من سياتي أولا فجاءت تلك الدخلة الصغيرة عن يميني بمسافة لا تزيد عن متر، عدستي وقتها كانت وحيدة البعد فقررت أن اغيرها، في اللحظة التي حانت مني التفاتة إليها فاحسست أن الدخلة تنظر لي مباشرة وأنها تعلم بوجودي بهذا القرب منها وأنها لا تبال. فنسيت التصوير وكل شيء وفقز الى عقلي قوله تعالى : (تناله أيديكم ...) فأستخرجت بقية الاية وفاجأني كيف كانت نهايتها.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)

وأخذت أفكر أن هذه الضعيفة التي أودع الله فيها قوة جبارة جعلتها تقطع الآف الكيلومترات في رحلة تتكرر مرتين في السنة، قوة يعجز عنها الانسان بكل جبروته وعنفوانه وما يظن أنه يملكه من أسباب القوة، أكيد أن هناك مهمة جبارة اناطها الخالق جل وعلا لهذه الطيور، عمل لاتستقيم الحياة على الارض إن لم تقم به ولذلك هي لا تخالف أمر خالقها وتسير كما أراد لها في رحلتيها الشاقة لتؤدي دورها. ليأتي عابث ويتجاهل هذه الآية العظيمة ويغتال حياتها ببساطة لمجرد التباهي الصبياني في وسائل التواصل الاجتماعي ليسمع عبارات الاستحسان والاعجاب من أصدقاءه ليقولوا له "كفو" . كفو ماذا ؟ ليس في هذا الصيد أي براعة فهو كما قال تعالى تناله أيديكم ولو كان أمامها صبي لنال منها بالنبلة، أو ربما سقطت في براثن قط يقظ. 
ولكن السؤال أين المروءة في صيد كائن ضعيف آمنك على حياته ؟
هل الغدر بالمستأمن من شيم المسلم ؟ 
وما هو المقابل ضحكة تعبر عن نفس مريضة تستلذ بالدمار وأرواح متبلدة لاتحس بالموت كآيه من آيات الله.  وربما يهايط ويقول لك الصيد حلال، وهو تقاليدنا وسالفنا وأنتم الحضر (أو الحظران كما يسموننا) لا تفهمون. طبعا لن تجد ما تواجه به هذا المنطق المنتن. ولست أدري أي سلف يقلدهم، فطالما استوقفتني أبيات طرفة بن العبد وهو يخاطب القبرة التي عف عن اصطيادها وهي تصفر (القبابر تفعل ذلك طوال موسم التزاوج) لإدراكه انها هدف سهل لا يليق بصاحب المروءة الاعتداء عليها. وطرفة يومها كان غر صغير السن كما تقول الروايات لم يتجاوز السادسة عشر.