أخبار الهجرة - خريف
أول الطيور التي رصدتها في منطقتي كانت هذا الصرد الرماني اليافع red backed shrike الذي كان مختبئا في الاحراش قرب حوض المياه حيث تأتي العصافير الصغيرة لتشرب. وقد استطعت لأاول مرة أن احصل على تسجيل فيديو له وهو يقوم بمحاكاة اصوات العصافير في محاولة منه لجذبها حتى تخرج دون حذر فيتمكن من الانقاض عليها وافتراسها.
كثيرا ما يمثل يوم 1 سبتمبر يوما مميزا بما يجعله البداية الرسمية لموسم الهجرة الخريفيه. وقد كان هذا اليوم لهذا اليوم هادئا نوعا ما ولكني سمعت فيه صوت الشفشة المميزة لدخلة بلايث Blythe reed warbler وهي عموما دخلة صعبة الرصد وليست زائرا منتظمة ولكن في السنتين السابقين أصبحت منتظمة في زيارتيها الخريفية والربيعيه.
رغم رصدي لعدد من طيور الصرد في أغسطس ولكن يومي 2 و3 سبتمبر كان حافلين بالعديد منهم، في الصباح الباكر رأيت صرد احمر الذيل يافع وقد كان ذيله الاحمر علامه فارقة جعلتني أميزه بسهولة عن الصردان الرمانية (حمراء الظهر) اليافعة وكان هناك أيضا أحدها ظهر بعد حوالي نصف ساعة وكلاهما كان متوترا لم يطيلا البقاء فعلى حوالي الساعة التاسعه لم اعد أراهما وصار سيد الموقف ذكر بالغ من الصرد الرماني. بقى هذا الصرد في الحديقة والمنطقة المجاورة حتى يوم 18 سبتمبر.
يوم 3 سبتمبر كان مميزا جدا بوجود ذبابي spotted flycatcher أليف كما اعتدت من هذه الطيور الجميله والظاهر انه كان أيضا يافعا جدا حيث أنه بدا منقطا أكثر من العادة، ولكنه كان شديد التهور بإصراره على النزول أرضا متجاهلا العديد من القطط النائمة تحت الشجيرات على مقربة منه، صحيح أن الكثير من القطط يغلب عليها النعاس بعد العاشرة صباحا وتصبح شديدة الكسل ولكن أكيد أن وجود وجبة شهيه على مقربة منها سيجعلها تنشط. الحمد لله انه سلم في الفترة التي راقبته بها وقد أعطاني فرصة لالتقاط صورة عديدة على مستوى منخفض. ثم قرر أن يكمل باقي نهاره على أحد الأغصان المنخفضة نوعا ما من شجرة السنط (الاكاسيا).
في الأيام اللاحقه بدأت أعداد الدخلات بيضاء الحلق الكبيرة greater whitethroat تزداد مع أعداد واضحة من دخلات القصب الاوربية، وقد كان كلاهما يظهر جراءة ولامبالاة غير مألوفه لطيور الدخل التي تعرف بطبيعتها الخجولة وهي للأسف دفعت ثمنا غاليا لتهورها الشديد واصرارها على النزول أرضا فقد شهدت وقوع إثنان منها (على الاقل) فريسة سهله لقطط الحديقة.
وفي هذه الأيام حدث للمرة الاولى تداخل بين سلالتي الدخلة بيضاء الحلق، فالسلاله communis دائما ما تأتي مبكرا جدا ربما أواخر يوليو حتى أغسطس وهي تأتي باعداد قليلة صحيح انها تبقى لمدة قد تصل لثلاث أسابيع ولكنها قلما تشاهد في سبتمبر. ثم يأتي دور السلالة icterops التي تكثر في سبتمبر، ثم تنخفض اعدادها ليبقى عدد قليل ربما يقرر أن يقضي الشتاء في المنطقة. هذا الموسم تأخرت اعداد السلالة communis في الوصول ولكنها حين وصلت في نهاية أغسطس كانت بأعداد كبيرة وبذلك تقاطعت زيارتها مع زيارة أفراد السلالة icterops.
وكان يوم 8 سبتمبر يوما حافلا بدخلات الصفصاف willow warblers التي أتت بأعداد كبيرة ففي أقل من ساعتين استطعت أن ارصد من 5-7 أفراد وكانت أيضا في قمة التهور ولست أدري أن التي سقطت لهذه القطة هي صفصافة أم دخلة قصب.
لقد اعتدت في متابعتي للهجرة أن ألاحظ أياما حافلة بالزوار بشكل ملفت للنظر كنت كثيرا ما أطلق عليها أيام "ذروة الهجرة"، وفي هذا الموسم كانت أيام 9 و10 و11 بدون شك "أيام الذروة" على الأقل بالنسبة لدخلات السيلفيا، بوجود أعداد كبيرة من دخلات الحدائق garden warbler واثنان أو ربما أكثر من الدخلات الموشاة اليافعة 1st wintering barred warblers والدخلات بيضاء الخلق الصغيرة lesser whitethroat إلى جانب أعداد متزايدة من الدخلات بيضاء الحلق الكبيرة greater whitethroat.
وقد عمدت في هذا الموسم على اجتذابها بواسطة قطع وشرائح من الفواكه الموسمية مثل المشمش والخوخ والبخارى إلى جانب التفاح الذي هو المفضل لدى طيوري المقيمة (الدوري والجباك والنغري). وما دفعني لوضع هذه الفواكه هو أني لاحظت في موسم الهجرة الربيعية كيف عشقت الدخلات بيضاء الحلق الصغيرة lesser whitethroat التفاح وكانت تتخلى عن حذرها الشديد لتأتي على مقربة مني لتنتزع أكبر قطعه تقدر عليها ثم تولي فرحة بغنيمتها. و في هذا الموسم كان عشقها للبرتقال واضحا فقد ظلت تتردد عليه لتستمتع به، فربما وجدت فيه ما يساعدها على التغلب على حر تلك الأيام.
كان البرتقال جديدا على قائمة الطعام التي أضعها لطيوري المقيمة ولكنه كان ناجحا بصورة أكبر من المشمش والخوخ الذي كان مفضلا بصورة أساسية لدخلات السيلفيا المهاجرة.
في الأيام اللاحقة تناقصت أعداد دخلات السيلفا كما أنها تخلت عن سلوكها المتهور وصارت تأتي للأكل فقط حين لا أكون في المنطقة (أراقبها من نافذة حجرة الجلوس بالمنظار) وأصبحت زيارتها لحوض الماء للاستحمام فقط في الصباح الباكر مع زيارات محدودة للشرب، وقد ظلت دخلة موشاة وحيدة من السهل معرفة وجودها بسبب شفشفتها الخشنة وحين تتحرك من السهل تميزها بلونها الرمادي وحجمها الكبير. وكذلك اثنان وربما ثلاث من دخلات الحدائق و مثلهم من الدخلات بيضاء الحلق الصغيرة والكبيرة. ولكنهم موجودون بطيعيتهم الحذرة المعروفة. فلم يعد من السهل تصويرهم.
أيام 9 و 10 و 11 كانت بحق "ذروة الهجرة" ليس فقط للدخلات فقد أيضا سجلت زيارة يوم واحد لهدهد جميل Eurasian Hoopoe ودغناش قطبي يافع 1 st winter masked shrike، وصرد رماني يافع 1st winter red backed shrike وطائر لوّاء Eurasian wryneck قضى ما يقرب من أسبوع، إلى جانب أسراب من الوراورbee eaters التي كانت تحلق عاليا فلم أتمكن من معرفة ما إذا كانت الاوربية أم ذات الخد الأزرق. والعديد من طيور السنونو Barn swallows.
من أغرب الزوار بل ربما من الأصح أنه أكثرها ظرفا هو طير شولة يافع، والغرابه ليس في مجيئه فهو من الزوار المنتظمين في زيارتيهم لموسمي الهجرة، بل في سلوك ذلك الذي وصل يوم 9 وما أن رأني متجهة حيث أكمن على مقربة من الطعام حتى صار يجري نحوي بطريقة اصابتني بالذهول وظل يقترب لدرجة ما استطعت معها أن أركز جيدا في التصوير وكانت هذه اللقطة هي أفضلها من ناحية الحدة focus.
والأعجب هو موقف طائر الشولة السوداء منه، فرغم أنهما من حيث التصنيف الأقرب لبعضهما إلا أن الشولة السوداء أظهر سلوكا عدائيا تجاهه فلم يكن يطيق أن يراه بالمنطقة التي فيها الطعام وعند حوض الماء وما أن يراه حتى ينقض عليه ويطارده عبر الأرض المفتوحة ثم يعود لينتشي بنصره، ورغم هذا فقد ظلت الشولة المسكينة تحاول أن تلقى قبولا حسنا لمدة خمسة أيام والغالب أنها رحلت بسبب سوء ضيافة شولتنا السوداء.
ولقد لحظت السلوك المتألف والمتهور لطيور الشولة أيضا التي كنت أراها على النجيلة في بستان الكلية حيث أعمل و قد لاحظت أنها اتت في هذه الايام بأعداد كبيرة فقد رأيت أثناء مروري عبورا من مبنى لآخر ثلاث منها والأكيد ان جهات أخرى من الحديقة فيها المزيد. وبذلك أستطيع أن أقول حتى نهاية شهر سبتمبر أن طيور الشولة كانت بحق "نجمة الهجرة" لهذه الشهر من هذا الموسم.
في الأيام اللاحقة خف زخم الطيور المهاجرة كثيرا. تلك التي ظلت عادت كما أسلفت لطبيعتها الحذرة. كما أن الأسبوع الذي بدأ من يوم 14 كان شديد الحر والرطوبه بعكس الأسبوع الذي سبقه، ولكن هذا أعطى فرصة للطيور المقيمة لتعاود نشاطها فعاد الدوري لصخبه وامتلاءت الحديقة بزقزقات الحباك المعدنية وصرت أرى ذكورها وقد فقدت غطاء وجهها الاحمر الغامق إلا من بقعة في أعلى المنقار. كما عادت أصوات التميرات التي كانت صامته ومختفية تماما في الأسبوعين السابقين، ولولا ظهور دخلة بيضاء الحلق هنا أو هناك أو صوت الدخلة الموشاة لظننت أن الهجرة قد انتهت مبكرا.
يوم 26 سبتمبر كان مميزا من بدايته مع وجود صرد رماني بالغ ولست أدري هل هو نفسه الموجود منذ بداية الشهر ولكن سلوكه المختلف من حيث اختياره للاماكن التي يجثم بها، جعلني أفكر أنه ربما كان آخر كما أنه لم يكن يشكل رعبا للدوري والحباكات التي كانت تملا الارض النجيلة أسفل الحبل الذي اتخذه مجثما.
وفي المنطقة الخاصة بأشجار الأثل رأيت صردا أبيضا وأسودا الغالب أنه دغناش قطبي يافع ولكن من الممكن أيضا أن يكون دغناشا شاميا. رأيت دخلة شديدة الصفرة والتوتر فلم أتمكن من رصدها جيدا او التقاط صورة ولذلك لا أدري إن كانت صفصافة أم دخلة الغابات wood warbler فمنذ أن رصدتها في ربيع هذا العام صرت أتوقعها رغم انها زائرة نادرة هنا.
في الايام اللاحقة التي كانت الرطوبة فيها خانقة قلت الاعداد بشكل لافت. مع ظهور صرد هنا أو هناك وسرعان ما أكتشفت أن في الحديقة عدد ربما ثلاث من الدخلات بيضاء الحلق الكبيرة، ولكن الوضع العام كان هادئا جدا. وقد استمر هذا الهدوء بشكل مثير للاحباط. ودخل شهر أكتوبر والهدوء مازال مستمرا، وانشغلت بأخبار عن وصول اثنين أو أكثر من السماك (القرلي) kingfisher في البحيرة الخاصة بمنتزه بلاجيو في الكورنيش الجنوبي. مطاردة السماك اخذت أسبوعين من وقتي دون أن أحصل على الصور التي كنت اتمناها ولكني استمتعت بعدد من الطيور البحرية والبعض منهم كنت أراه لأول مرة مثل البلشون الليلي. وفي يوم 21 استعطت الحصول على صورة لهذا الدخل أبيض الحلق وهو بدون شك أصغر دخل في السن من هذا النوع رأيته. وفي يومها رأيت أول نقشارة شفشاف chiffchaff لهذا الموسم.
في يوم التاسع والعشرين لاحظت أن الشولة السوداء كانت متوترة أكثر من عادتها ولم يكن غريمها الدائم، ذكر الحباك قريبا وسرعان ما اكتشفت وجود صرد رماني يافع، وقد كان هذا أول واحد أراه من أسبوعين.
وفي اليومين التاليين ظهر كما أن لو أن الهجرة قد عادت إلى وتيرتها العادية، فقد لمحت من الصباح الباكر جدا قبل سطوع الشمس بضوء كاف عصفور تين (او دخل الشماس) على أجمه اللانتانا التي كانت في الايام السابقة تحمل الكثير من الكرزات الصغيرة السوداء التي تعشقها طيور الدخل والنغاري والقمريات.
حين خرجت للحديقة بعد الثامنة وجدت أن الكرزات قد انتهت تقريبا مما جعلني أتأكد أنني لم أكن واهمة بخصوص الشماس.
وسرعان ما نسيت أمره حين اكتشفت وجود ذبابي رائع الجمال، وكم كنت بحاجة إلى هذا الطائر على وجه الخصوص مع زيادة أعداد الذباب الثقيل الظل الذي يلتصق بالوجه ولا يمكن ابعاده إلا بصعوبه شديدة.
وعندما غاب لبرهة في احدى طلعاته الجوية لالتقاط الذباب لمحت طائرا رماديا يحط على الاغصان المنخفضة في شجرة الحمر ولكني أدركت من طريقة الطيران أن هذا ليس الذبابي وحين اخرجت رأسي من مخبئي لأراه فإذا هو الشماس بكل اناقته وجماله وهو مستغرق يفكر في أمر ما وينظر يمنه ويسرة بقلق بالغ بحيث لم ينتبه لي أبدا. والحمد لله استطعت التقاط العديد من الصور ولقطة فيديو، قبل أن يقرر أن ينزل ليشرب الماء من بقيه مياه متخلفة من رش الحديقة، وهذا كان سبب قلقه فالحديقة مليئة بالقطط وغيرها من الاعداء .