احتجت برهة لافسر سر ابتسامة سعادة حقيقية غامرة رأيتها على وجهي ضيفي كريستين وجيتان من كندا وحين تتبعت انظارهم وجدتها متجه الى الحامل الذي اعلق عليه صحنا كبيرا اضع فيه بعض الطعام للطيور، فقد كان هناك ذكري حباك يتشاجرا بطريقتهم التي تبعث على الضحك . وقد فكرت لنفسي كم مرة ارتسمت ابتسامة مشابهة على وجهي في مواقف مشابهة رأها غيري أو بقيت ذكرى سجلتها في تدوينة أو صورة قررت أن أشاركها في احد مواقع التواصل. وباعتقادي أن هذه الشحنة المركزة من السعادة ما ترسمه على وجوه محبي الطيور أمر شائع لم ينج منه أحد مما أصابه ما اصابنا وعناه من شأن عالم الطير ما عنانا، ولم يعقب هذا الشعور غصة إلا لطلب المزيد مما يسر عشاق الطيور أحيانا.
أشرت للصديقين إلى شجرة تحمل العديد من الاعشاش التي كانت ذكور الحباك اليافعة تتدرب على اتقانها باشراف اناث أكبر سنا وأكثر خبرة. ثم اتجهت إلى المكان الذي خصصته لهم لمراقبة ثاني الطيور المنشودة وهو تمير النيل، فالأول كان الحباك الذي لم تنته قصته معهم بعد. كان المكان مقابل أصيص لصبار الالو فيرا التي تطاولت فيه زهرتها السنوية وقد تفتحت ازهارها السفلية وتجمع عليها النحل وصارت التميرات دائمة التردد على رحيقها.
تركتهم للاستمتاع بطيورهم المنشودة وجلست أفكر، في هذا الجمال الذي يقطع أناس من الاف الأميال، هذا الجمال صار في حياتي اصوات خلفية وحركة متواصلة على أماكن الاطعام أمام النافذة التي اجلس عندها لأعمل أو لأضيع عقلي ووقتي في غياهب وسائل التواصل الاجتماعي. جمال التمير في يوم ما منذ سنين طويلة أسر قلبي وعقلي حين اكتشفته على شجرة التين البنغالي بعد اثار صوت مواءه انتباهي لأراه على احد الاغصان العالية، من المؤكد أن وجهي قد علته ابتسامة كبيرة يومها، وأن وجود طير بهذا الجمال المذهل في حديقتي قد اثار دهشتي، لست اذكر في أي شهر كان هذا ولكنه كان ذكرا بكامل ألوانه وذيله الطويل.
اما لقائي الأول مع الحباك فقد كان بعد عدة سنين وأذكر حيدا أنه كان في نهاية شهر مايو بعد أن رحلت معظم الطيور المهاجرة وظننت أن الصيف سيكون طويلا ومملا، ولكني سرعان ما انتبهت إلى وجود أصوات زقزقات عالية تنتهي بزقزقة وحيدة عالية النبرة حيرني الصوت طويلا واجتهدت لرؤية الطير الذي يصدره لأيام حتى طار يوما من فوقي ولمحت لونه الاصفر الفاقع وكان يزقزق فعرفت انه هو بلا شك، مما اعرفه الان فقد كان مشغولا بعمل عش وهذه هي الاصوات التي يصدرها حين يعمل، لم اره كثيرا قدر سماعي له.
لم الحباك يصبح مشاهدا مألوفا في الحديقة إلا حين استوطنها عدة أزواج منهم قد يكون بعضها أبناء الزوج الاول، وصار من الممكن رؤية الإناث الأقل ظهورا، ثم صار الحباك يبني أعشاشه في موسم الخريف (موسم التدريب) على الأغصان المكشوفة ما سمح بمتابعة عمله اثناء البناء. والاكيد ان ابتسامة عريضة كانت ترتسم على وجهي حين رأيته أول مرة وحين تابعت بناء العش للمرة الاولى او المرات العديدة التالية.
و بالعودة للضيفين فقد قام زوج التميرات بواجب الضيافة نحوهما على احسن وجه إذ كانا دائمي التردد على زهور الصبار والبقاء عليها لامتصاص الرحيق لمدة كافية كما استمتعا بعروض الحباك المشهورة التي يتعلق فيها مقلوبا على العش ويرتعش بحناحيه وهو يتمايل يمنة وبيسرة بصخبه المعروف. وظهر أيضا زوج النغري وعصافير التين واليمامة الضاحكة وكذلك دخلة منتيري الرقيقة التي كان وجودها مفاجأة لهم وكانت أيضا تسجيل جديد لهم.
اشتدت الشمس ولم يظهر ذكر التمير الثاني الذي كان بكامل ألوانه وقد نما ذيله الطويل، كان لابد أن ننتقل للطرف الثاني من الحديقة حيث شجرة المورينجا وهنا كان من الأفضل أن نرصد من نافذة الدور الثاني وبالفعل ما أن وصلوا وأطلوا من النافذة حتى شاهدت كريستين التمير الجميل الذي كان يبدو شديد الاختلاف عن ذلك الذي مازال في الطور المنكسف مع قليل جدا من البقع الملونة. لم تتمالك كريستين نفسها وهي تعبر عن سعادتها الشديدة لما رأته وقد وجدتها محقة فعلا فهو طير شديد الجمال والجاذبية.
بعد ذلك كان من المحتم علينا ان نتوجه لأحد الشواطىء لرؤية زقزاق السرطان أحد أهم طيورهم المنشودة.
في التدوينة اللاحقة ساوضح كيف تعرفت على الصديقين الكريمين.























