ان سمعت صوت صغير التمير مرة فإنك لن تنساه حتى لو كنت تسمعه مرة كل عام أو عامين أو أكثر، فمع اتنشار الطيور الدخيلة في الحدائق لم يعد نجاح الحضنات المبكرة لتمير وادي النيل مضمونا وهي التي غالبا ما تكون أواخر شهر فبراير وبدايات شهر مارس وهو نفس وقت تفريخ المينا الهندية . وفي هذا الوقت أيضا تشتد رياح الشتاء (الخماسين) ما يجعل سقوط العش أمرا واردا أن لم يكن في مكان حصين.
وفي السنين الأخيرة صارت الحضنة الثانية في شهر مايو هي الاكثر احتمالا يتزامن هذا مع موسم تزهير ثان لشجر التمر الهندي الذي تعشقه التميرات. ينسكب الصوت المبحوح بإلحاح فتحتار في البداية من أين يأتي ثم تدرك أنه آت من غصن عال، وقد اسعدني الحظ اني كنت انظر من نافدة الدور الثاني اخذني الامر وقتا لاحدد مكان الصغير الذي لم يتوقف لحظه عن نداءته التي تستعجل الابوين بالطعام، وما هي إلا برهة حتى اتي زوج من المينا على غصن ليس بالبعيد فجاءت الام ووقفت على غصن كثيف الاوراق وهي تحمل الطعام وكان هذا امرا حكيما فلو اتجهت للصغير فان ارتفاع وتيرة نداءاته المتحمسة ستجعل زوج المتربصين يلتفت ولكنها فضلت أن يأتي الصغير إليها ليبتعد. اطعمته ثم ذهبت وعادت مرة اخرى على غصن أبعد وكان الأب على مقربه يحاول جاهدا أن يحصل على طعام للصغير وقد بدا عليه التوتر وقلة التركيز فلم يكن يستقر على مكان ولكنه ظل قريبا جدا من الصغير ثم عادت الأم مرة ثالثة وتحمس الصغير وازداد صخبه فجاء زوج أخر من المينا على الطرف الثاني، فزعت كثيرا فقد بدا انهم قد طوقوا الأسرة الصغيرة، ثم جاء الاب خال الوفاض إلى الصغير وطارا بعيدا عن المكان حتى غروب الشمس..
لن ادعي أني لم انم ليلتها قلقا على الصغير ولكني كنت ساحزن كثيرا لو لم اره اليوم التالي . ولله الحمد كانت العائلة بخير في اليوم التالي والايام التي بعده خاصة على أغصان شجرة التمر الهندي التي تفتحت ازهارها دفعة واحدة يوم 27 مايو ويبدو ان الصغير قد اخذ التوجيهات من والديه فلم اعد اسمع صوت الحاحه كما كان في يوم الرابع والعشرين الذي ربما كان اول يوم لخروجه من العش.
وصرت اتابعه وهو يقف صابرا في انتظار وجبته القادمة وربما جرب أن يحصل على رحيق الازهار التي تفتحت واتنشر عبقها حوله. وفي بعض الاحيان تنتقل العائلة إلى الطرف الشرقي من الحديقة إلى شجرة البان الهندي (المورينجا) التي بقية من اغصان مزهرة.