كانت الرحلة في أيام 22 إلى 27 ذو الحجة الموافق من 28 يونيه إلى 3 يوليو.
أول انطباع عن مدينة ابها عند الوصول أنها مدينة هادئة ومريحة، لم تكن مزدحمة في وقت الوصول ساعة الصباح الباكر (السابعة) والمطار ليس بعيدا جدا عن المدينة والشعور العام هو الترحيب والبشاشة والكرم وسماحة النفس. وبالطبع فإن الجو قمة في المثالية فلا هو بالحار ولا هو بالبارد المزعج. والشمس إن كانت مغطاة بسحب خفيفة فالمشي متعة حتى وقت الظهيرة، ولكن بدون غيم تصبح الشمس مزعجة نوعا ما بعدالساعة التاسعة صباحا. وهذا وقت متأخر جدا بالنسبة لمحبي الطيور الذي يبدأ يومهم عادة بعد الفجر.
ما أن استقرت أمورنا في الشقة المستأجرة وقررنا ان رحلتنا ستكون الساعة الثانية ظهرا، هنا قررت أن اكنشف المنطقة حولنا وقد شاهدت بعض الاراضي الخالية التي فيها عديد من الاشجار والنباتات البرية ، وقد استطعت في جولة 40 دقيقة ان أسجل الطيور الاتية
الضوعة - زرزور ترستام او الاسود
التمرة الرشيقة
الدخل الحبشي أبيض العين
النعار العربي
الحباك
خطاف المنازل
السنونو احمر العجز
يمامة النخل
وعدد من التغريدات لطيور لم أميزها ولكني اتوقع انها ربما لشمعي المنقار العربي وقد تكون لحسون اليمن التفاحي.
كانت الجولة في الساعة الثانية مع السائق والمرشد السياحي الرائع أستاذ حسن عسيري (أبو ملك) إلى منطقة بني مازن وهي مجموعة من القرى تقع على بعد 8 كيلومترات غرب مدينة أبها. على ارتفاع يصل إلى 1500 متر عن سطح البحر تمثل في بعض مرتفعاتها مطلا جميلا على مدينة أبها، وتتميز قراها بالمدرجات الزراعية وبساتين الفاكهة وعديد من القرى الاثرية والمتاحف الجميلة.
تمثل السمنة الصغيره أشهر طير يمكن ان تراه على حانبي الطير فلا تخطئه بسبب لون صدره المحمر والرمادي الازرق لباقي الجسم، وهو ليس صغيرا كما يوحي الاسم فيمكن مشاهدته بسهولة خاصة انه يفضل ان يتخذ مجثما متوسط الارتفاع على الاشجار والشجيرات في جانبي الطريق.
وفي كل مكان توقفنا كانت اصوات التغريد المختلفة تأتي من كل اتجاه حيث تكثر أشجار العرعر شديدة الخضرة والتي لا تعاني من موت أجزاء منها كالتي شاهدتها في وادي ذي غزال في الشفا، وقد ذكرتني بغابة بني سعد التي اتمنى ان يكتب الله لي يوم لزيارة تتيح لي اكتشاف كنوزها.
ومن الطيور التي لاتخفى عن المراقب هي السمنة اليمينة وهي كبيرة (23 سم) تماثل انثى الشحرور ولها صوت تغريد رائع، تتميز بالجراءة. وقد استمتعت بمراقبتها عند مدخل متحف الجحل الذي زرناه قرب المغرب وخرجنا لنرى هذه السمنة المميزة وقد علا صوت تغريدها مع الاذان وبعد حلول الظلام أيضا حيث تبادل الزوج التغريد لفترة، وهنا أيضا رصدت الابلق احمر الصدر والحسون اليمني والنعار العربي والسمنة الصغيرة.
بدأ يومنا الثاني 23 ذو الحجة 29 يونيه حزيران مبكرا بعد صلاة الفجر مع الاستاذ والمبدع الكبير أبو محمد أحمد نيازي الذي تفضل مشكورا بمرافقتنا في رحلات كانت أشبه بالخيال مع اجمل واندر طيور العالم كله بلا شك.
كانت البداية مع الابلق احمر الصدر الذي دلت احدث الدراسات أن النوع الموجود في جنوب غرب الجزيرة العربية يختلف جينيا عن الابلق المشابه في شرق أفريقيا ولذلك تم الاعتراف به كنوع مستقل واطلق عليه اسم الابلق منفوش الصدر أو هكذا الترجمة الحرفية
كانت المهمة الانتظار حتى يحط على كادر متوسط الارتفاع او قريب من الارض ما يشكل فرصة أفضل للتصوير ولكن من ملاحظاتي السابقة لطيور الابلق الاخرى فانها لا تحط على أي مجثم في ساعات الصباح الباكر بل تقضي وقتها تركض هنا وهناك لاصطياد الحشرات التي اثقلتها حبات الندى وجعلت طيرانها بطيئا.
ثم توقف بنا الاستاذ أبو محمد أمام شجرة طلح حيث كانت ضالتنا المنشودة والطائر الذي طالما حلمت به وهو القراع العربي أيقونية الطيور في الجزيرة العربية فهو فريد لا يماثل أي طير أخر على الضفة الاخرى من البحر الاحمر، قطعا ليس الوحيد ولكنه الاجمل والاكثر ارتباطا بالمشهد الطبيعي البيئي العام لجبال الحجاز وذلك لاتباط وجوده بأشجار الطلح التي بدورها أيضا أيقونة الغطاء الشجري في الجزيرة العربية.
رأينا فتحة العش وسمعنا الفراخ داخله ولم يبق سوى انتظار الابوين ليأتوا بتلك الديدان المميزة التي تساعد الصغار على النمو والتي بدورها ربما كانت من الآفات التي تفتك بشجر الطلح وغيره من أشجار المنطقة.
في فترة الانتظار التي طالت بعض الشيء جاء الزرزور البنفسجي وصائد الذباب الجمباجي وشمعي المنقار العربي والدخل الحبشي والجشنة طويلة المنقار ثم ظهر الذكر متجها مباشرة لفتحة العش التي دخلها وغاب لفترة.
كانت لحظات تخطف الانفاس فهاهو الطير الذي تمنيته وبحثت عنه كثيرا في وداي ذي غزال في الشفا دون جدوى بل ربما كنت قاب قوسين أو أدني منه شهر اغسطس السنة الماضية ولكن سوء فهمي للمعلومة الخاصة بمكان عشه جعلني ابحث عن الفتحة في اشجار العرعر بدلا من الطلح.
انها لحظات نتمنى لو انها لاتنتهي.
ولكنها تنتهي مع رغبة ملحة للحصول على صورة مميزة وهنا يتغلب شيطان الانا المتمثل في الرغبة في الاتيان بما لم تأت به الاوائل ليفسد علينا متعة مراقبة الطير خاصة حين تبدأ مشاجراته التي لا تنتهي مع الزرزور البنفسجي الذي افسد حبنا للنقار سمعته وجعله طيرا مستفزا رغم جمال الوان ريشه اللامع.
ويتجلى تناقض مشاعرنا تجاه عصفور الحباك الذي نناصبه العداء بسبب محاولاته الجاهدة لطرد وقواق ديدريك الجميل ذو الريش الاخضر البرونزي الجميل فهنا نقف مع الطير الغريب ضد الطير المحلي الذي يعلم ان هذا الزائر لا يريد سوى ان يسترق دقائق غفلة من زوج الحباك ليضع بيضه في عشه أو في عش الدخل العربي أو غيرهم من طيور المنطقة ثم ينتقل إلى منطقة أخرى وهكذا حتى يحين موعد رحيله إلى شرق وجنوب أفريقيا تاركا أمر رعاية فراخه للوالدين المستعارين الذين رغم رفضهم لهذا الاستغلال إلا انهم يحسنوا استقبال الوليد الذي لا ذنب له.
والحقيقة انه بعيدا عن ضغط الحصول على صور مميزة فإن مراقبة هجمات الحباك على الوقواق أمر ممتع جدا لا يمل منه. وهذه مجموعة من صور الطيور الاخرى ومنها الابلق بعد ان حط على كادر.
ثم كان اللقاء مع سمنة اليمن ، لم يكن اللقاء الاول فقد رأيتها اليوم السابق وكنت قد وثقتها في وادي ذي غزال قبل عام تقريبا. ولكن هذا اللقاء كان الاول في ظروف اضاءة ممتازة وهذه احد الصور وهي جاثمة على احد اشجار الطلح.
لن أطيل ذكر تفاصيل كل أوقات التصوير في هذه التدوينة ولكني سأتوقف فقط عند محطات مميزة وستكون هناك تدوينات أخرى تفصيلة
في مساء ذلك اليوم ذهبنا في رحلة إلى منطقة بحيرة أحد السدود وقبل الوصول على احد الطرق الجبلية المطلة على السد ارتفعت شجرة وعليها كان الرفراف رمادي الرأس مميزا باللون الازرق المعدني في ذيله وجناحه .
وفي المنطقة التي كانت مليئة بالمنتزهين تجولنا بين اشجار الطلح المعمرة وفيها اخذت هذه الصورة للبلنصي العربي.
في اليوم التالي 24 ذو الحجة 30 يونيه كانت وجتنها مع أبو محمد إلى محمية ريدة التي كنت قد سمعت عنها من صديقاتي العسيريات ولكني صدقا لم اتخيل وجود غابة بهذه الكثافة والتنوع في بلادنا التي تشتهر بين الناس انها مجرد صحاري.
ما أن توغلنا في المنطقة العليا من المحمية حيث كان هدفنا هي الحمامة الزيتونية الافريقية حتى ظهرت مجموعة من طيور القهد أو الحجل العربي لم اخضع لضغط التصوير فقد علمت استحالة الامساك بها في حيز المستشعر الالكتروني الصغير ولكن الاستمتاع باللحظة والامساك بها في قفص الذكريات التي تبقى سيكون مجديا أكثر.وربما يأتي يوم واستطيع أن اكمن لها في مكان ما لاخذ الصور التي انشدها.
كانت الحمامة موجودة بل كان هناك عديد منها وصل إلى 7 ثم ظهرت الدرسة قرفية الصدر امامنا غير مهتمة بانشغالنا بالحمامة عنها ثم قررت مع رفيقتي في التصوير الاستاذة فوزية الخميس المحاولة مع طيور القهد التي كانت قد اختفت داخل المنحدر ولكن ظهور الطير الفردوسي قريبا ساكنا وهو يدعونا لتصويره في كادر صخري مختلف عن كل الكوادر التقليدية التي اعتدنا رؤيتها في صوره.
وهذه مجموعة من الصور
في اليوم التالي كان من المقرر ان نذهب في رحلة الى وادي لجب في محافظة جيزان ومن ثم إلى فيفاء ولكن المرشد الاستاذ حسن
عسيري نصحنا بالغاء الرحلة بسبب توقعات بعاصفة رملية
ولذلك كانت رحلة اليوم التالي طويلة وتشمل عديد من المحطات حيث انها باتجاه الشمال لتكون اولا في منطقة بللحمر ثم منطقة بللسمر ثم الى تنومة الجميلة ثم إلى النماص. ما استطاعت فوزية مرافقتنا يومها لذلك كانت الرحلة بشكل أساسي للاستمتاع بالمناظر الطبيعية مغ الرفقة الحميلة للدكتور ايناس وابنه اختي ياسمين ذات 13 ربيعا.
جمال المناطق التي زرناها كان مذهلا وحين وصلنا إلى تنومة انهارت مقاومتي وتواصلت مع المبدع عوض الشهري من هيثة الحياة الفطرية وزميل في جمعية حماية الطيور وقد اعطاني ارشادات مهمة جدا مكنتني من العثور على طائر العقعق العسيري وقد سجلت صوته وكانت هذه الصورة مع عدد من تسجيلات الفيديو.
المزيد في التدوينة اللاحقة.